Wednesday, July 11, 2012

الفن ابن الدين في مسلسل عمر الفاروق



منذ فيلم الرسالة وهذا " الجدل " مستمر . . 
 لماذا أحيانا يتحول إلى " عويل " ؟!!


يدور جدل واسع هذه الأيام حول مسلسل شارك في إنتاجه كل من: مجموعة "MBC" و مؤسسة قطر للإعلام ، يجسد سيرة الخليفة عمر بن الخطاب خلال شهر رمضان.

لا أعرف سبب كل هذا الضجيج (( في الحياة أمور أهم من عرض مسلسل)) ربما أتفهم ذلك في السابق مع حداثة التجربة، أما في عام 2012 فلم أستطع فهم هذه "البكائيات" على مجرد  مسلسل !!!

في هذه الأسطر محاولة لفهم بعض النقاط التي أثيرت حول مسلسل عمر الفاروق رضي الله عنه وأرضاه في جزئين: الأول يتعلق بالجدل الفقهي ثم أنتقل للشق الفني وهو (الأهم في رأيي) حول علاقة الفن بالدين عبر رؤية طرحها الرئيس البوسني على عزت بيجوفيتش في كتابه الأسلام بين الشرق والغرب.

خلاف فقهي مفهوم . . إذن أين المشكلة ؟!!

لنتفق بداية على أن مقام صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم محفوظ عند غالبية المسلمين ولا يحتاج لا لفيلم أو مسلسل يعلي من شأنه، بل هو راسخ في النفوس.

مكمن الجدل يقع حول حكم تجسيد الصحابة العشرة المبشرين بالجنة في مسلسل عمر الفاروق ،حيث يجسد شخصية الفاروق عمر بن الخطاب الممثل السوري سامر إسماعيل، وشخصية سيدنا أبو بكر الصديق الفنان غسان مسعود، بينما سيقوم بدور سيدنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه شاب تونسي غير معروف .

يقف في مقدمة الرافضين لفكرة تجسيد الصحابة خاصة العشرة المبشرين بالجنة ،هيئة كبار العلماء في السعودية ومجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف.

في المقابل يرى مجموعة من العلماء المعتبرين في مقدمتهم الشيخ يوسف القرضاوي جواز تجسيد الصحابة ماعدا الخلفاء الراشدين والعشرة المبشرين بالجنة وأمهات المؤمنين.

وتداركا لحساسية المسألة الشرعية ودخولها منطقة جديدة لم يسبق طرقها من قبل، شكلت مجموعة "أم بي سي" وتلفزيون قطر لجنة شرعية خاصة بالمسلسل تضم الشيخ القرضاوي ود. سلمان العودة ود. علي الصلابي ود. أكرم ضياء العمري د. عبدالوهاب الطريري ود. سعد العتيبي لمتابعة النص وتنقيحه من الروايات الضعيفة أو المنحرفة، وهذا ما تم الإتفاق عليه من قبل اللجنة المشكلة، في حين أن اختلافا وقع بين الأعضاء في مسألة ظهور الخلفاء الراشدين لذلك إلى الان لم يصدر بيان واضح من اللجنة يرى بجواز تجسيد الخلفاء الراشدين.

في مقابل ذلك أجازت هيئة شرعية أخرى هي الشؤون الدينية الجزائرية عرض المسلسل للتلفزيون الجزائري .

إلى هذه النقطة " الشرعية " لا يوجد سبب مقنع يدفع باتجاه منع العرض بالكامل وسيظل الخلاف الفقهي قائما إلى يوم القيامة. . إذن أين المشكلة ؟!! 


ما يقلقني حقيقة هو ارتفاع لغة الإقصاء والمنع في مثل هذه المواضيع لأنه ايصاد لباب الإبداع أمام المشاريع القادمة .

اعتبروا الفن ابن الدين

نأتي للشق الفني وهو ما يهمني أكثر . . من بعد فيلم العقاد عليه رحمة الله " الرسالة " كانت المحاولات خجولة ودائما ما تصطدم بسد من الفتاوى،  حدت كثيرا من تطور الأعمال الدرامية والتاريخية ، وقدمتها بشكل يفتقد لكثير من عناصرها الفنية.

نحتاج لأفكار ملهمة تفض الإشتباك  الحاصل وتنظم  علاقة الدين بالفن ، كتلك التي أوردها الرئيس البوسني الراحل علي عزت بيغوفيتش في كتابه "الإسلام بين الشرق والغرب" . . يقول عليه رحمة الله :
 
(( في جذور الدين والفن هناك وحدة مبدئية . . فالدراما ذات أصل ديني سواء ناحية الموضوع أو من ناحية التاريخ. ))


إذن الفن من الممكن إعتباره مرآة  تعكس صورة بديعة للثقافة  . .  وهنا يأتي إبداع الفنان في التنقيب عن كنوز هذه الثقافة وتقديمها في أبهى صورة وأجمل حلة. فهل يعقل أن يقف الفن موقف الضد من روافد إبداعه !!


أعود مرة أخرى لهذا الفيلسوف العبقري – علي عزت بيجوفيتش - الذي آمن بدور الفن وأهميته في  بناء الحضارة . . لم يغفل عن ذكر الدراما فقال:

(( لقد كانت الدراما وليس اللاهوت هي وسيلة التعبير عن الدين الحقيقي والمشاكل الأخلاقية للبشر وتنعكس الطبيعة المزدوجة للدراما بوضوح في القناع – يقصد الشخصية التي يؤديها الممثل – الذي يوحي بالدين وبالدراما في الوقت نفسه.))

كذلك لم ينسى دور القوالب الفنية الأخرى :

(( إن الفن يرد ديّنه للدين بوضوح أكثر خلال الرسم والنحت والموسيقى . . فتكاد الأعمال الفنية الكبرى لعصر النهضة تقتصر في تناولها على الموضوعات الدينية بدون استثناء.))

في رأيي نحتاج للتعمق أكثر في مسألة علاقة الفن بالدين . . ويجب أن ينظر لها برؤية مختلفة عن السابق، لا باستدعاء الفتاوى القديمة مع كل عمل فني مثير، ونعود لهذه الحلقة المفرغة . . بل أدعوا أهل العلم والاجتهاد إلى طرح صيغ جديدة تلبي حاجة العصر، وينظروا للفن كمسألة حضارية تعزز من قيم الإسلام النبيلة ، وتعبر عن وجدان وإحساس ثقافتنا الإسلامية.